شعب بريس- متابعة

"لا وجود لجهنم والأرواح الشريرة ستتلاشى إلى العدم"، هكذا صرح البابا فرانسيس بابا الفاتيكان لمؤسس صحيفة لاريبوبليكا الايطالية "اوجينيو سكالفاري" في حوار نشرته الصحيفة الخميس الماضي، وأضاف بأن الأرواح التائبة التي تطلب الغفران سيغفر لها الرب ويدخلها إلى فردوسه..أما الأرواح الشريرة التي تأبى طلب الغفران فسوف تندثر وتتلاشى وتتحول إلى عدم..

ومباشرة بعد نشر الحوار، وفي نفس اليوم أنزل الفاتيكان تكذيبا للخبر، واتهم قيدوم الصحافة الايطالية سكالفاري (94 عاما) المعروف بإلحاده، بتحريف كلام البابا، معتمدا على تصريح سابق للصحفي العجوز قال فيه بأنه لا يسجل حوارات ضيوفه بل يحفظها في ذاكرته إلى حين صياغتها..

أما البابا نفسه فقد التزم الصمت، ولم ينف او يؤكد الخبر، والمعروف ان صداقة قديمة تجمعه بالقيدوم سكالفاري..الذي أجرى معه منذ جلوسه على كرسي البابوية، خمس حوارات صحفية أسالت مدادا غزيرا. كان من بينها حوار في 2014 تطرق لموضوع عزوبية الكهنة واضطر الفاتيكان للتدخل من اجل تصحيح الوضع مرة أخرى.  مما جعل الصحافة الايطالية والأوروبية عموما تتساءل هل البابا والصحفي يتسليان بلعبة خفية لاستفزاز الثوابت المسيحية..

المعروف عن البابا فرنسيس انه خارج عن المألوف في كل شيء مقارنة مع من سبقه من باباوات ،فهو كأرجنتيني يعتبر ثاني بابا من أصل غير أوروبي في تاريخ الكنيسة المسيحية، بعد البابا غريغوار الثالث السوري الأصل الذي حكم الفاتيكان في القرن الثامن ، وله مواقف معلنة في قضايا لم يكن يجرؤ من سبقه على الخوض فيها، فهو يؤمن بنظرية الانفجار الكبير (big bang) كأصل الكون. كما يؤمن بنظرية تطور الانواع. وله مواقفه الخاصة حول الاقتصاد الكوني. حيث عبر مرارا عن رفضه لليبرالية المتوحشة و العولمة والنزعات الفردانية الاستهلاكية..

وكما هو متوقع في عالم يخضع كل شيء فيه للنقاش الحر، حيث لا وجود للطابوهات حتى في الدين. وحيث لا وجود لظاهرة التكفير او اشهار سيف الردة. في وجه من يسائل المسلمات الدينية حتى تلك التي تبدو قطعية. احتدم الجدل منذ الخميس الماضي داخل الكنيسة المسيحية نفسها بين تيار يجزم بوجود الجحيم كعقاب ابدي للارواح الآثمة  وتيار يعتبر ان مفهوم الجحيم هو مفهوم معنوي والمقصود منه حرمان تلك الأرواح من لقاء الرب و الفوز بالسعادة الأبدية الى جواره ، اي انه حالة روحانية تتمتع فيها الأرواح الطيبة بالسعادة وتحرم منها الأرواح الشريرة..

الصحافة الأوروبية ساهمت من جانبها في هذا الجدل ورأت بأن اختفاء مفهومي الثواب والعقاب، الدعامتين الأساسيتين للفكر الديني، هو إيذان بتحول الدين تدريجيا والمقصود هنا الدين المسيحي الى منظومة اخلاقية بحتة وان العدالة الإلهية التي كان يتوقعها المؤمنون في الآخرة من خلال عقاب المذنبين في النار عوضتها عدالة إنسانية قانونية تحمي حقوق الإنسان في الدنيا وتعاقب المجرمين قبل رحيلهم الى الآخرة وان المجتمعات الإنسانية الحديثة خلقت جنتها وجحيمها الخاصين على هذه الأرض..

أسبوعية Le Point الفرنسية تساءلت في عددها الأخير بسخرية عن موقف دانتي صاحب "الكوميديا الالهية" من تصريحات البابا، حول الجحيم الذي لم يعد مكانا فيزيائيا بل تحول الى حالة روحانية لا علاقة لها بالنار..هدية من البابا للمسيحيين في أعياد الفصح لهذه السنة..

في شمال المتوسط توقف الدين عن لعب دور الافيون منذ زمن طويل، واليوم بدأ يتحول الى ترف أخلاقي يطمح بالوصول بالإنسان الى المثالية الأخلاقية، حيث يتحول الخير إلى غاية في حد ذاته بدل ان يكون وسيلة لدخول الجنة، ويتحول الشر إلى حالة نشاز تستوجب السيطرة عليها ومعالجتها في الدنيا، ويصبح الجحيم منفى عدميا للارواح التي أضاعت إنسانيتها في الرحلة نحو الخلود..