ادريس عدار
ظلت جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الجماعات الإسلامية ونموذجها الأول، تسعى إلى استعادة "مجد" الخلافة، التي أهدرها كمال أتاتورك وأسس الدولة العلمانية، التي يتحرش بها اليوم رجب طيب أردوغان ليعيد "المجد" العثماني عبر جماعات الإسلام السياسي.
الجماعة التي "كافحت" قرابة قرن من أجل هذا المسعى ظهرت اليوم بشكل مختلف. ما إن تأكدت الجماعة أن "الثورة المصرية" سنتهي برحيل حسني مبارك حتى التحقت بـ"الثوار"، لكنها التحقت مغيرة عنوانها. فهي ليست الجماعة التي تؤمن بالخلافة ولكنها تؤمن بالدولة المدنية.
هذه الفكرة تلقفها فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، بشكل بليد، وقال إن الخلافة على منهاج النبوة هي الدولة المدنية، ولم نعرف له موقفا بهذا الخصوص بعد انسحاب جماعته من حركة 20 فبراير.
الدولة المدنية التي تحدث عنها أرسلان هي التي ترجمها محمد حمداوي، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية، في حوار للتلفزيون الفنلندي.
سُئل القيادي في الجماعة عن الديقراطية فقال "النموذج الديمقراطي الذي نريد هو النموذج المتعارف عليه في العالم بأسره، كالنموذج الديمقراطي في أوروبا وفي كل البلدان الديمقراطية، أن يكون هناك انتخابات نزيهة وأن يكون فصل للسلط، وأن ينتخب الشعب من يحكمه، ومن ينتخبه الشعب ينبغي أن يحاسب وأن يكون مسؤولا عن برنامجه الذي يقدمه للشعب أثناء الانتخابات".
إذن لماذا كل هذا التاريخ من جحود الخيار الديمقراطي؟
وأضاف حمداوي "نحن نفهم بأنه في الدين الإسلامي هناك مجال واسع للإبداع وللابتكار في المجال السياسي. والدين هو دين جميع المغاربة لا يمكن لفصيل معين أو لحزب معين أو لتيار معين أن يدعي أنه يحتكر الدين. فالدين هو دين الأمة جميعا، فالمجال السياسي تحكمه اختيارات الناس، اختيارات الأحزاب السياسية.. ومن يختاره الشعب هو الذي سيتصدى للمجال العام على أساس برنامج وتعاقد مع الشعب، والمكسب الذي نراه مهما في المغرب أن كل الناس وكل الأحزاب السياسية تقريبا بدون استثناء وكل هيئات المجتمع المدني الكل يعتبر نفسه مسلما والكل يحترم الدين الإسلامي. فهذه مسألة إيجابية جدا تجعل المغاربة لا يختلفون في احترام الدين واحترام الإسلام، وهم حريصون على عدم الاصطدام مع الإسلام".
وعن الدولة قال "الدولة التي توجد في المجتمع المسلم أو التي قد يقترحها ويشارك فيها تيار له مرجعية إسلامية كتيارنا نحن تيار العدل والإحسان، هذه الدولة بالنسبة لنا هي دولة مدنية عادية، ليست دولة مقدسة ولا دولة شمولية. ينبغي أن تكون دولة ديمقراطية بالمعاني الحقيقية للديمقراطية، ومع الأسف هناك خلط للمعاني عند كثير من الناس عندما يخلطون بين دولة مدنية ديمقراطية في مجتمع مسلم وانطلاقا من مرجعية إسلامية وما بين دولة دينية ثيوقراطية تأتي لتقول للناس لا مجال للتفكير ولا مجال للإبداع؛ فقط الحاكم هو الذي يملي على الناس موقفا معينا أو يسخر الدين لأغراض تسلطية واستبدادية".
وعن سؤال حول رأيه في طالبان التي تفرض الشريعة على المجتمع؟ أجاب حمداوي "نحن رأينا كما قلت مختلف تماما.. اجتهادنا اجتهاد نوعي ولا يشابه اجتهادات أخرى. ونحن لسنا مع فرض أي شيء على الناس. نحن ننطلق من مبدإ في الدين يقوم على أنه لا إكراه في الدين.. لا يمكن أن تلزم الناس بأمر وهم له كارهون.. فإذا النظرة التي نريدها نحن أن يكون هناك توافق بين الناس وأن تجتمع الناس على كل أمر مفيد للأمة، فإذا نحن لسنا مع أمور التشدد وأمور فرض الدين على الناس أو أي شيء آخر.. نحن نرى أنه نوع من أنواع الاستبداد أن تلزم الناس بما يكرهون. ينبغي أن تتوافق قوى المجتمع على ما تختاره في حياتها السياسية والاجتماعية".
نترك حمداوي الذي انبهر بالتلفيزيون الفنلندي ونستدعي ما كتبه عبد السلام ياسين مؤسس الجماعة ومرشدها حيا وميتا ومنظرها الذي لم يظهر من ينابزه داخل الجماعة بل إن قصارى ما يفعلون هو أن يتمكنوا من فهمه.
قال عبد السلام ياسين في كتابه حوار مع الفضلاء الديمقراطيين "كلمة ديموقراطية تعني حكم الشعب، واختيار الشعب، والاحتكام إلى الشعب. وهذا أمر ندعو إليه ولا نرضى بغيره، على يقين نحن من أن الشعب المسلم العميق الإسلام لن يختار إلا الحكم بما أنزل الله، وهو الحكم الإسلامي، وهو برنامجنا العام، وأفق مشروعنا للتغيير.
على يقين نحن من أن الشعوب المسلمة تختار عاجلا أو آجلا إسلامها الكامل غير المنقوص، وتصوت لدعاة الحكم به، وتختار برنامجهم العام. ونحن على الدرب مع الديموقراطيين نتنافس على ثقة الشعب من يفوز بها. نعتبر ذلك التنافس جهادا سياسيا، ويسمونه من جهتهم نضالا".
لكن ماذا لو اختارت الشعوب العلمانيين؟
وفي الكتاب ذاته يتساءل "هل نلتقي مع اللاييكيين الديمقراطيين عندما ينشدون دولة القانون، وننشد نحن دولة القرآن ؟ هل لنا معهم لقاء ونحن نضمرها شورى قرآنية نبوية راشدية، وهم يخططونها ديمقراطية لاييكية ؟".
وياسين أكثرهم وضوحا حيث لا يخفي استغلال الديمقراطية إلى حين حيث يقول "بعضنا يصرخ : الديمقراطية ! وهو مكموم مسجون مقهور ليعطاه حقه من الحرية التي تتبجَح الديمقراطية بحمايتها. وهو يضمرها لحين يكون الأمر بيده شورى قرآنية نبوية راشدة. لا يمكن غير ذلك إن كان الحاكم مسلما حقا".
وفي كتاب الشورى والديمقراطية يقول "أنتم يا معشر دعاة الديموقراطية تسكتون لا تقولون للمسلمين الذين تحسنون لهم البضاعة أن شرط الديموقراطية أن ننسلخ أولا وقبل كل شيء عن إسلامنا ونطرحه جانبا حين نجلس لمعالجة شؤوننا المشتركة، ولا نتكلم بلغة القرآن، ولا نحكم بشرع الإسلام، ولا نذكر الإسلام في برلماننا وسائر مؤسساتنا إلا كما تتمتم تعويذات في بدء المناقشة وختامها تعمية ونفاقا. والجد هو ما يقال ويقرر بقطع النظر عن الإسلام".
وكلمة الحسم هي التي قال فيها "...قضيتنا نحن مصيرية. نحن نطلب الإسلام لا الديمقراطية. ليكن هذا واضحا. وما في الديمقراطية من دروس وتنظيم الخلاف وترتيب تعددية الآراء في نظام تعددية الأحزاب إلى سائر ما تمخضت عنه تجارب أوربا من دراية في هذا المجال شيء لا ننكره ولا نرفضه. الديمقراطية في بعض أهدافها شطر مما بُعثنا به. بعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى. فإذا كانت الديمقراطية تضع حدا للتسلط على العباد فنحن، هَبَّةً واحدة، مع كل ذي دين ومروءة لنقول نعم".
لو استعملنا كل وسائل التأويل لن نستطيع الجمع بين ما قاله حمداوي وما أثله عبد السلام ياسين.