تصدر بين الفينة والأخرى فتاوى من هنا وهناك تروم إلى تحريم، وتجريم الفعل النضالي بدواعي واهية تتخذ من الدين المستند الشرعي، في محاولة منها لإسكات الشعب بالمقدس.
وتعتبر مسألة الإسكات بالمقدس مسألة قديمة قدم تاريخ هذه الأمة، حيث كانت الفرق الإسلامية المتنوعة تعمد إلى إسكات المخالف لها بالنص المقدس، ووصم المعارضين لها بأبشع الأوصاف.
والجديد اليوم هو أن لا أحد تنطلي عليه خدعة علماء السلطان في محاولاتهم لثني الشعوب عن الخروج من أجل المطالبة بالإصلاح والتغيير، وقد شاهدنا كيف كان الأئمة يحثون الناس في خطبهم بلغة خشبية على عدم التظاهر، واجتناب ما يسمونه (الفتنة) لكن لا أحد ينصت لهم، لقد تغيير العصر لكن فقهاء الحكام في غمرة ساهون.
فسموا النضال غوغائية، وسموا الاحتجاج والمطالبة بالتغيير فتنة، وهم الذين يتلوا قول الله عز وجل:" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" لكن لما أراد الشعب التغيير وقف فقهاء البلاط في وجه لأنه لا يروقهم.
حتى قال بعضهم في مصر:" أن بقاء رئيس في حكم دولة وإن رفضه الشعب أفضل من رحيله وترك البلد بلا رئيس".
وفتحت بعض القنوات التلفزيونية عمدا حلقات لاستقبال أسئلة ماضوية حول موقف الإسلام من المظاهرات، وما إن كان التظاهر حراما أم حلالا ؟ وينس هؤلاء أن الإسلام لم يجب عن هذا السؤال، لأنه ببساطة يجيب على عكسه.
وقد حاول وجدي غنيم وعبد الباري الزمزمي مجارة القوم، فأفتى الأخير بأن "الاحتجاجات جائزة في الشرع حتى ولو كانت ضد الحكام" (حسب ما نشرته جريدة أخبار اليوم العدد 387 الأربعاء 9 مارس 2011).
وللبعض أن يتساءل ماذا يجني هؤلاء الفقهاء من وراء هذه الفتاوى؟ والحقيقة هي أن لهم فيها ما يتخيرون! وقد قال قديما ابن خلدون في مقدمه الرائدة:" فاز المتملقون" يقولها وهو الذي خبر دهاليز القصور.
وإن نحن أرجعنا الذاكرة إلى الوراء قليلا، سنرى مدى الطلب المتزايد على الفتوى في أعقاب ثورتي تونس ومصر، حتى أن نجل القذافي (الساعدي) طلب من الداعية السعودي عائض القرني أن يصدر إدانة للتظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها ليبيا ضد نظام والِدِه معمر القذافي، ليرد عليه القرني قالا: "وجدتُ من كلامه الظاهِر أنه يريد منِّي إدانة التظاهرات والاحتجاجات على منهج والده؛ فقلت للساعدي بالحرف الواحد: اتقوا الله في دماء الليبيين.. ارفعوا السلاح عن الشعب الليبي المسلم.. أنتم قتلتم الآمنين.. ارفعوا المظالم عن الشعب الليبي".
وهذه مناسبة لنتساءل عن: ما هو الدور الحقيقي للفقهاء غير ذاك الذي تعين تاريخيا؟.
عبدالله أموش