عزيز الدادسي
بعد أن خرج محمد المرواني، رئيس الهيئة التأسيسية لحزب الأمة غير معترف به، من نفق خلية بلعيرج، ظن أنه مواطن صالح وليس متورطا بشكل من الأشكال في القضية، التي أراد أن يحول كل من اتهم فيها إلى معتقلين سياسيين فقط لأنهم انتموا ذات يوم إلى حركة الاختيار الإسلامي التي كان يتزعمها، وبالتالي فإن هذا الانتماء دليل براءة.
وقبل أن يكون هذا الانتماء دليل براءة في حق باقي المعتقلين لابد أن يكون دليل براءة في حقه هو أولا، حيث يعرف العالمون بخبايا الأمور أن المرواني خرج في إطار سياق محدد مشهود له بالتصالح المفتوح مادامت الفترة السجنية كانت كافية لتبيان تخلي الرجل عن أفكاره السابقة.
فالمرواني ومنذ كان طالبا بفرنسا تشبع بالأفكار الثورية على النمط المسلح، وبعد عودته للمغرب والعمل في "بريد المغرب" لم يتخلى عن تلك الأفكار، بل أسس حركة "جند الإسلام" التي تؤمن بالعنف، وبعد التسعينات أصبحت الحركة تحمل اسم "الاختيار الإسلامي"، وترفع شعارات دولة الإنسان المنقول حرفيا من المرجع اللبناني الراحل محمد حسين فضل الله، وهو عنوان مقال له صدر بمجلة "المنطلق"، وتبنت الحركة في مؤتمرها الثاني العمل العلني كواجهة تضليلية للدولة، على أن يبقي المرواني ورفاقه على ازدواجية العمل، حيث الممارسة العلنية سياسية ونقابية وطلابية وإعلامية، والممارسة السرية تتم في إطار التنظيم الخاص، وهو الموضوع الذي تحدث فيه المرواني مع عبد القادر بلعيرج سنة 1992.
واختار المرواني العودة للموضوع بعد أن مسح تلك المرحلة بثلاث سنوات من السجن، وقال خلال مهرجان نظمته "اللجنة الوطنية للإفراج عن باقي المعتقلين السياسيين في ملف بلعيرج" : "كنا ضحية للتغطية على فشلهم في تدبير الشأن العام". في اللعب السياسي يكون اللعب بين الأقران وليس اللعب كما يريد المرواني، فلنفترض أن الدولة أرادت أن تغطي على فشلها السياسي، فهل ستختار المرواني الذي ليس له لا في العير ولا في النفير؟ إذا أرادت الدولة ستعتقل زعيما كبيرا.
وقضية بلعيرج تم تسليط الأضواء عليها من كل الجهات، ولو وجدوا فيها رائحة صغيرة للانتقام لقامت الدنيا ولم تقعد. المرواني الذي ورط الكثيرين وتركهم وراءه في السجن وخرج في إطار السياق المذكور القريب من الصفقة يريد أن يظهر لمن ظلمهم أنه مناضل ثوري ولهذا يقول إن الحكومة لا تحكم وأنه لن يشارك في هذه المهزلة. مع العلم أنه زار بنكيران مهنئا بعد فوزه. ربما كان الرجل يبعث رسالة إلى رئيس الحكومة "اللي متسوقش ليه".
من جهته، استغرب محمد السلمي، منسق "الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان"، من الشعارات الحقوقية التي تروج لها الدولة داخليا وخارجيا، وقال في هذا السياق : "ألا يخجلون من الحديث عن حقوق الإنسان، في وقت لا تنقطع فيه معاناة السجناء، وتقمع فيه التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية السلمية". وهل يوجد شيء لم تستغرب له الجماعة؟ فهي ترى كل شيء أسودا لأنها لو رأته أبيضا فسينفرط عقدها ويتشتت شملها.