يوسف بوستة
لقد كثر الحديث حول ضرورة التنسيق مع الحركات الاسلاموية المسماة "راديكالية" في الأوساط الديمقراطية واليسارية بشكل خاص،بالنظر إلى تواجدهم مجتمعين في جبهة واحدة وعلى طرفي نقيض مع الأنظمة الاستبدادية القائمة، وانخراطهم جميعا في الانتفاضات الشعبية، وساهموا معا في إسقاط بعض الأنظمة، وتصاعدت الدعوات وأسهبت الكتابات والتحليلات في إبراز التحولات والمراجعات الفكرية والسياسية التي حصلت وما زالت تحصل وسط هذه الحركات، خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ودافع العديد من اليساريين في الوطن العربي عن هذا التوجه الجديد، معتقدين أن تلك المراجعات ستصل إلى درجة الإقرار بالدولة المدنية الديمقراطية والتي ستكون في العمق علمانية، بما تعنيه من حرية العقيدة والمساواة الفعلية والكاملة دون تمييز على أسس دينية أو جنسية أو فكرية وثقافية وطائفية ومذهبية، إلا أن التطور الذي حصل لم يتجاوز عبر مسار تاريخي طويل سوى مجموعة من الأفراد، أو بعض الجماعات القليلة، والتي عبرت عن نفسها كأحزاب ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية، وهي في الأصل انشقت على الحركات الأم الإخوان والجماعة بعد أن ضاقت درعا بمقولة "السمع والطاعة"، ولتبرئة الذمة من العديد من الجرائم السياسية التي تم التخطيط والتنفيذ لها بإتقان، وقامت بمراجعات فكرية عميقة وهي نماذج محدودة في الوطن العربي، ونتابع بشكل دقيق كل تلك التطورات الإيجابية لديها، كما نرصد التحولات الخطيرة لدى الإخوان والجماعة والحركات "الجهادية" ومن ينهل من منطلقاتها في العديد من الأقطار، وانكشاف شعاراتها حول الديمقراطية، والتي لم تشكل لدينا عنصر المفاجئة بالنظر إلى منطلقاتها وأهدافها وتاريخها، أما الأشخاص والأفراد فهم كثر، فمنهم ثلة من المفكرين والعلماء الحقيقيين، ونذكر منهم الدكتور خليل عبد الكريم بمصر والدكتور محمود طه بالسودان وقبلهم علي عبد الرزاق رحمة الله عليهم ، فقد كانت لديهم الشجاعة لنقد الفكر الديني الإسلاموي في أصوله المعرفية والدينية، وتعرضوا من جراء ذلك إلى والتضييق وفي أسوأ الأحوال إلى الاغتيال، في حين صعد نجم الجهلة ودعاة الفتنة خدام الرجعية والامبريالية والصهيونية، وهي أسماء معروفة وداع صيتها بفضل الموجة الإعلامية الكبيرة التي اجتاحت العالم العربي، فيما ظلت العديد من الفتاوي التكفيرية والكتابات والتنظيرات الإسلاموية تشكل المرجع الأساسي لهذهالحركات الإسلاموية في التأطير والتنظيم والتكوين لأعضائها، رغم الكتابات والتصريحات التي تصدر بين الفينة والأخرى، تعبيرا عن القبول بالأخر وبالحق في الإختلاف والوجود، دون الحديث عن الجرائم السياسية التي طالت وما تزال العديد من القادة السياسيين والمثقفين في الوطن العربي، إلا أنه مع وصول أبرز هذه الحركات إلى الحكم في خضم ربيع الديمقراطية العربي عبر صناديق الاقتراع، انكشفت أطماعهم السلطوية وفقدوا البصر والبصيرة ، وبرزت بشكل صارخ نزعاتهم نحو السيطرة الكلية على الدولة والمجتمع لتنفيذ مشروعهم الاستبدادي، ومع ذلك تستمر بعض الدعوات السياسوية في السير فيما فشلت فيه العديد من المحاولات من أقطاب الفكر العقلاني والحداثي عبر عقود بل خلال قرون من الزمن، فعن أي تطور وأية مراجعة يتحدثون في ظل غياب حركة تنويرية قوية وواسعة تنير البصر والبصيرة؟